من موت إلى موت آخر.. هجرة عكسية للاجئين أفارقة إلى اليمن رغم الصراع والحرب
أفراح بورجي
"من ضنك العيش إلى موت بطيء" هكذا بدأ علي حمادي ذو الـ 30 ربيعا قصة اللجوء إلى اليمن؛ في رحلة محفوفة بالمخاطر، أبحر فيها رفقة والدته وشقيقته هربا من ضنك العيش في بلاده، باحثا عن موطن آمن لكن سرعان ما تتحول رحلته إلى كابوسٍ يهدد حياته وحياة عائلته.
في 19 ماس/ آذار عام 2012، بدأ علي حمادي وأسرته يتنقلون من قارب إلى آخر، وسط مخاطر جسيمة وظروف قاسية، وفي لحظة سيئة يفقد شقيقته بين الأمواج بسبب دوار البحر، تاركة وراءها وجع عميق وواقع مر.
وصل علي ووالدته إلى اليمن دون أي نقود مما اضطرهما للنوم على الرصيف في أحد أحياء اليمن الجنوبي، بجانب ذلك يتعرض علي ووالدته للتمييز العنصري بسبب لون بشرتهما الداكن.
يقول علي حمادي: "اضطررت للعمل في أحد المصانع كعامل نظافة، بينما تعمل والدتي في إحدى المنازل لتوفير قوت يومنا"، بعد رحلةٍ شاقة يستقر علي ووالدته في صنعاء؛ يتعلم هو ووالدته الصبر والتعايش مع واقعهم المرير، باحثين عن بصيص أمل في غياهب الليل.
ليست قصة علي حمادي هي الوحيدة فقط ضمن مسلسل "الهجرة العكسية للاجئين أفارقة إلى اليمن رغم الصراع والحرب"، فهناك العشرات من القصص من بينها قصة جمال الحبشي اللاجئ من أثيوبيا إلى اليمن ليحقق حلمة الذي لطالما وطنه حرمه منه.
هروب حتمي
رحلة جمال الحبشي ذو الـ 50عاما، من جحيم التجنيد إلى حلم الطب في اليمن؛ بين مطرقة التجنيد الإجباري وسندان حلم العمل في مجال الطب، يجد نفسه في خضم رحلة محفوفة بالمخاطر، هربا من بلاده الحبشة (أثيوبيا) إلى اليمن، رحلة صعبة مليئة بالتحديات، لكنها توجت بالنهاية بتحقيق حلمه في العمل كطبيب فني، تاركا خلفه قصة إنسانية تجسد معاناة اللاجئين والمهاجرين في رحلة البحث عن الأمان والحياة الكريمة.
يقول جمال: "أُجبرت على التجنيد في الجيش لمدة عشر سنوات بعد حصولي على دبلوم فني عمليات، مما يحطم أحلامي في العمل في مجال الطب، قررت الهرب من جحيم التجنيد في اثيوبيا إلى اليمن، باحثا عن الحرية وتحقيق حلمي في العمل كطبيب فني".
واجه جمال مخاطر جمة خلال رحلته عبر البحر الأحمر، وصولا إلى منطقة ميفة ثم عتق، ومنها إلى صنعاء، حتى أستقر رفقة زوجته إلى صنعاء عام 2011، وبدأ رحلة البحث عن عمل في مجال الطب؛ هنا واجه جمال صعوبات في الحصول على عمل في البداية، لكنه أصر على تحقيق حلمه، أخيرا حصل على عمل في أحد المستشفيات الخاصة في صنعاء، وبدأ ببناء حياة جديدة مع زوجته.
ينهي جمال حديثة عن مقارنته بين الوضع في اليمن قبل وبعد الصراع، مشيرا إلى التغيرات الجذرية التي طرأت على البلاد، مؤكدا على تأثر اللاجئين الأفارقة بشكل كبير بسبب الانقسامات السياسية والصراعات في اليمن، يتحدث جمال عن تهجير العديد من اللاجئين الأفارقة بسبب النكبة التي تعرضوا لها من قبل جماعة أنصار الله، وعلى الرغم من الصراعات، يزداد عدد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن هربا من النزاعات في بلدانهم.
موجات مضاعفة
تتزايد أعداد المهاجرين الأفارقة إلى اليمن بشكل كبير كل عام عن العام السابق له، حسبما ذكرت وكالة "الأناضول" في بحثها المنشور بعنوان "المهاجرون الأفارقة في اليمن: معاناة تتجاوز الحدود والأمكنة"، مشيرة فيه إلى أن عدد الأفارقة الذين قدموا إلى اليمن منذ اندلاع المعارك في سبتمبر أيلول 2014؛ بلغ (140) ألفا؛ وجميعهم يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
وفي تقرير نشرته المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، يوم السبت 17 يونيو 2023، أن عدد المهاجرين الأفارقة إلى اليمن تجاوز حتى يونيو 77 ألف مهاجر شهر يونيو حزيران، وهو يفوق ما سُجل طوال العام الماضي الذي بلغ عدد المهاجرين الواصلين فيه 73 ألف مهاجر، ورجحت فيه أن عددهم سيتخطى حاجز الـ160 ألفا خلال العام 2023، كأعلى رقم خلال السنوات الخمس الأخيرة، وبزيادة بنسبة 19% عن أكثر الأعوام تسجيلاً لعدد المهاجرين الأفارقة قبل جائحة كورونا المتمثل في العام 2019 الذي سجل أكبر دخولا بعدد 138 ألفا و213 مهاجراً.
وبحسب التقرير فقد بلغ عدد المهاجرين الأفارقة في العام 2021، 16 ألف مهاجر أفريقي وصلوا إلى اليمن فقط، مقابل تسجيل وصول 32 ألفا و122 مهاجرا وصلوا خلال عام 2020.
ووفق التقرير؛ فإن العدد المسجل خلال النصف الأول من العام 2023م يزيد بنسبة 321 في المائة على الفترة نفسها خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وهي زيادة بنسبة نحو 147 في المائة على العام 2022، و672 في المائة على العام الذي سبقه، ونحو 144 في المائة على عام 2020.
دوافع الهجرة إلى اليمن
كشف مصدرا مطلعا في منظمة الهجرة (طلب عدم ذكر اسمه) أن اليمن باتت ممرًا رئيسيا للاجئين الأفارقة الساعين للوصول إلى المملكة العربية السعودية، موضحا أن أغلب المهاجرين الأفارقة ينتمون إلى إقليم تيغراي في إثيوبيا، ويمثلون 95% من إجمالي المهاجرين في محافظة صعدة اليمنية، حيث يتمتعون بوضع مالي أفضل مقارنةً بالمهاجرين في باقي المحافظات.
وأشار المصدر إلى أن دوافع الهجرة عبر اليمن تتمثل في انخفاض تكلفة الهجرة مقارنةً بطرق أخرى وكونها قريبة من المملكة العربية السعودية، مؤكداً أن اللاجئين الأفارقة في اليمن يواجهون ظروفًا صعبة، حيث يضطر بعضهم إلى العمل في تهريب المخدرات، بينما يحصل البعض الآخر على عمل في اليمن ويستقر في البلاد.
وفي ذات السياق، يعتبر الناشط الحقوقي بشير غانم أن اليمن يعيش أسوأ سنواته، وعلى الرغم من الوضع السيئ إلا أنه البلد الأكثر جذبا للمهاجرين اللذين لقوا حتفهم في حدود السعودية بسبب الرقابة الصارمة التي فرضتها عليهم دول الخليج.
يشير غانم إلى أن اليمن يعد منطقة عبور فقط كي يذهبون إلى دول الخليج التي هي وجهتهم، ولكن في نفس الوقت أصبح اليمن وجهة نهائية للمهاجرين الأفارقة.
ويضيف غانم: "لو تحدثنا عن الوضع الإنساني للأفارقة في اليمن فسوف نتطرق إلى الكثير من المعاناة التي نراها بكل مكان كونهم منتشرين في مناطق عدة في الحديدة وصنعاء وصعده وكثير من محافظات اليمن، يمرون الأفارقة بتحديات عدة منها التمييز وكذلك احتكار فرص العمل لهم ونلاحظهم يعملون في مجالات عمل النظافة ليس الكثير ولكن الأغلبية".
يتابع قائلا: يعيش الأفريقي في اليمن طول عمره باحثا عن لقمة العيش والأمان الذي فقده في وطنه، جاءوا إلى اليمن عبر رحلة شاقة ليصطدموا بواقع مرير بعد أن فقدوا الأمل في الدخول إلى السعودية، اللاجئين الأفارقة لا يستطيعون المضي قدما إلى مستقبلهم، هم فقد يريدون العيش حتى وإن كانت المعيشة للأغلبية منهم سيئة الأهم من هذا أنهم بعيدون عن المجاعة والفيضانات والحروب الكثيرة في أوطانهم ".
النساء اللاجئات متضررات من الصراع في اليمن
" أم وردة "لاجئة صومالية تبلغ من العمر 54 عاما جاءت إلى اليمن عندما حدثت الحروب الأهلية في الصومال، تحدث بلهجتها العربية الركيكة وهي تقول:" هربت من مدينة حقنا كان فيها حرب كثير عشي أنجو بروحي أنا وأطفالي ".
أم ورده هي إحدى النساء المتضررات من الصراع في اليمن فهي تعمل عاملة نظافة في أحد المنازل في منطقة ( الجثيلي / صنعاء)، ظلت تعمل سنين طويلة وعلي حسب ما تقول فهي لديها ثلاثة أطفال (بنتين وولد) تزوجت صوماليا في اليمن عندما جاءت مع أهلها في عام 2009.
تقول ام وردة" منذ جئنا إلى اليمن إلى يومنا هذا لم نر يوما سيئا إلا في سني الحرب، تعبنا حينها، فقدت العمل ببداية الصراع كون الذين اعمل لديهم تركوا منزلهم وذهبوا الى خارج اليمن، وفي عام 2018 فقدت زوجي وهنا بدأت معاناتي الكثيرة، كنت اتخبط من هنا لهناك حتى أبحث عن عمل لأجل اطفالي ".
تتابع:" حصلت على عمل في احدى المستشفيات الخاصة كعاملة نظافة كنت أذهب صباحا واعود لأطفالي عصرا وظل هذا الحال حتى اليوم، ولكن أفكر بالعودة الى الصومال حتى اطفالي يتعرفون الى اهاليهم وكذلك بسبب سوء المعيشة التي ضاقت بي انا واطفالي، عندما فقدنا زوجي، لهذا سأعود الى الصومال فهناك اعمام اطفالي لديهم بيت لنا سنعيش به والرزق على الله
هكذا يعيش اللاجئ الأفريقي في اليمن بين البحث عن عمل وبين التصدي للصعوبات والتحديات التي تواجههم من التمييز العنصري وكثير من الصعوبات، ولكن مضطرين للمضي قدما نحو محطة العمل والعيش الكريم.
تابعونا عبر "whatsapp" و "linkedin" و "Facebook"
- القصة نتاج تدريب "مواجهة تضليل المعلومات في زمن الحروب"، بشراكة بين منصة أكد نيوز "العراق"، مؤسسة قرار للإعلام والتنمية "اليمن"، نشرة رادار نيوزليتر "مصر".