الحرب على غزة: تحقيق يكشف آلية عمل ترسانة "الفبركة الإسرائيلية"
باستخدام أسماء عربية وصور مبتورة وتدوير فيديوهات قديمة
لجان إلكترونية موالية لجيش الاحتلال الإسرائيلي تعمل عبر منصة "إكس" بهدف تزييف الحقائق ونشر صور مفبركة تارة ومبتورة تارة أخرى، لتضخيم أحداث بعينها أو إخفاء خسارة بعينها بهدف الدعايا للعملية العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، حسبما وثقت "معدتا التحقيق"
تحقيق - هايدي حمدي ومنار بحيري
في التاسع من يناير 2024، تبادل الكثيرين من رواد منصة (إكس) صورة لرجال مجردين من ملابسهم يجلسون تحت تهديد السلاح لجنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي، في إشارة إلى سيطرة الجيش الإسرائيلي على زمام الأمور في قطاع غزة.
وبالبحث عن مصدر الصورة التي كانت تبدو مهينة وتهدف لدعايات مُبطنة، اتضح أن ناشرها حساب على منصة (إكس) يحمل اسم أحمد الحلاق، على الرغم منه أنه يبدو اسمًا عاديًا وعربيًا معتادًا، لكنه نشر الصورة وألحقها بتعليق "هم أجبن من أن يواجهوا جيش الدفاع الإسرائيلي"، متباهيًا بأن هؤلاء من عدد من قوات "حماس" الذين أجبرهم الجيش الإسرائيلي على الاستسلام لهم، على حد زعمه.
وبدأ حساب "الحلاق" يروج لتلك الصورة وعلق عليها قائلًا: "إنها الحقيقة التي يعرفها أكثر الناس، هم أجبن من أن يواجهوا جيش الدفاع الإسرائيلي وهم يملكوا الوهم فقط، وهذه هي نهاية لكل إرهابي ومجرم".
وباستخدام أداة التحقق من الصور (Reverse Image Search)، التي تقوم بالبحث العكسي عن الصور في أكثر من محرك بحث، تكشف لنا أن تلك الصورة تعود لعدد من المدنيين الفلسطينيين الذين هربوا إلى مراكز إيواء، هربًا من قصف جيش الاحتلال وليست لمقاتلي "حماس"، وعزز تحققنا ما رواه "أوري غولدبرغ" الباحث في "مركز هرتسليا متعدد الاتجاهات"، عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس".
وأيضًا باستخدام (Google Maps)، حول مكان "صيدلية عليان فارم" التي تظهر في الصورة، وجدنا أنها تقع في منطقة "بيت لاهيا"، وليس في "خان يونس" كما زعم الكيان، وبحص الحساب ومراجعته اتضح أن "الحلاق" انضم حديثًا لمنصة "إكس" - تويتر سابقًا - في ديسمبر 2023، خلال تلك المدة تم نشر 1286 تغريدة، ولديه 9 متابعين، ويتابع 73 حساب آخر، نشر في 22 ديسمبر الماضي.
"الحلاق" ليس حالة فردية من لجان إلكترونية موالية لجيش الاحتلال الإسرائيلي تعمل عبر منصة "إكس" بهدف تزييف الحقائق ونشر صور مفبركة تارة ومبتورة تارة أخرى، لتضخيم أحداث بعينها أو إخفاء خسارة بعينها بهدف الدعايا للعملية العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، حسبما وثقت "معدتا التحقيق".
تجنيد الأطفال مع "حماس"
ـ"نيفرزليس"حالة ثانية، ففي 21 يناير الجاري، نشر صورتين لأطفال صغار؛الأولى لطفلين يحملان سلاحًا موجهين فوهته نحو طفل آخر يركع أرضًا ويرتدى قبعة عليها العلم الإسرائيلي، والأخرى لمجموعة من الأطفال أيضًا على وجوههم خطوط سوداء، وفي أيديهم أسلحة لكنها غير حقيقية، ويرتدون أزياءً عسكرية، في إشارة إلى أن هؤلاء الأطفال مجندين من "حماس" للمشاركة في حرب غزة.
وبالبحث خلف مصدر الصورة، اتضح أن ناشرها كان يحاول زعم فكرة تجنيد الأطفال ما يدل على أن قوات "حماس" إرهابية منذ الصغر، للرد على تغريدة نشرها أحمد الطيبي، عضو الكنيست "البرلمان" الإسرائيلي، الذي وصف الجنود الصهاينة بـ"مجموعة من البلطجية المغتصبين للأراضي"، وبدأ الحساب يروج لتلك الصور وعلق عليها قائلًا: " اهتمامكم المفرط بالأطفال المقاتلين مثير للريبة".
وباستخدام أداة التحقق من الصور (TinEye)، التي تقوم بالبحث العكسي عن الصور في أكثر من موقع إلكتروني، وجدنا أن الصورة تعود للعام 2013، وأنها الأطفال تابعين لـ "داعش"، وقد تم نشرها في صفحة كتائب السرايا (الجهاد الإسلامي)، لعرض تدريبات لبعض الأطفال، أيضًا الملابس المموهة التي يرتديها الأطفال تشبه ملابس مجندي "داعش"، وذلك كما نلاحظ في تقرير مركز "كارتر" عام 2017؛ في الصفحة4، عن الأطفال في "داعش" أو أشبال الخلافة، كما نجد نفس الصورة في تقرير مكتوب لقناة الغد يتحدث أيضًا عن أطفال "داعش".
وبالعودة إلى الحساب، وجدنا أنه تم إنشائه في 30 ديسمبر الماضي، خلال تلك المدة نشر 1381 تغريدة، ولديه 16 متابع ويقوم بمتابعة 16 آخرين.
خبير سياسي: الوحدة 9300 المسئولة عن نشر الأكاذيب
ويعتبر الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الرواية الإسرائيلية تعتمد على مجموعة من الحقائق والأخبار الملوّنة والمضلّلة، وتتّبع في ذلك عدّة أساليب.
وأكد "فهمي"، أن أول تلك الأساليب هي مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تعتمد على وحدة إلكترونية تُدعى "الوحدة 9300" التي تنشر الشائعات، بالإضافة إلى العديد من المواقع الإلكترونية التي ينقل عنها الناس وهي خاطئة في الأساس.
وتابع فهمي أنه يتم استخدام البُعد الأمني والاستخباراتي لوحدات متخصصة في الجيش الإسرائيلي، لنشر المعلومات والأخبار باللغتين العربية والإنجليزية على مواقع التواصل الاجتماعي، ورواية القصة من الجانب الإسرائيلي، لذا ينبغي كشف تلك المغالطات على المستويين العربي والغربي.
غزو وتدمير "رشيد" من "حماس"
وفي 1 فبراير 2024، كنا على موعد مع حالة ثالثة، لوحظ تداول صورتين بشكل كبير؛ الأولى مكتوب عليها "قبل" والأخرى مكتوب عليها "بعد"، وفيها يتضح أنها تعود لـ "شارع رشيد" قبل أحداث طوفان الأقصى وبعدها، والدمار الذي لحق به بسبب تلك الأحداث.
وبالبحث عن مصدر الصورة، التي تتهم "حماس" بشكل مباشر أنها المسئول عن الدمار في "غزة"، في حين أن "إسرائيل" هي التي عمّرتها، بحسب زعمه، واتضح أن ناشرها هو يوسف حداد، لكن المختلف هنا هو أنه حساب موثق، وأنه صحفي عربي إسرائيلي وناشط مناصر شرس لإسرائيل.
وعلّق "يوسف" على الصورة قائلًا: "هذا ما بدا عليه أحد الشوارع الرئيسية في غزة قبل وبعد 7 أكتوبر، أولئك الذين يحاولون تدمير دولة إسرائيل لن يفشلوا فحسب، بل سيتلقون الدمار والخراب في مكانهم أيضًا... وغزة تبدو مثل هذا اليوم فقط بسبب حماس!".
وباستخدام أداة التحقق من الصور (Google Lens)، التي تقوم بالبحث العكسي عن الصور في محرك البحث "جوجل"، تكشف لنا أن أول نشر للصورة كان بتاريخ 1 فبراير الجاري، على الحساب الشخصي للمصور الفلسطيني فادي الوحيدي، على منصة "إنستغرام"، والذي نشر فيديو قصير عن شارع "رشيد" قبل وبعد الاحتلال، والذي كتب معلقًا: "كيف أصبح شكل شارع البحر الآن بعد انسحاب قوات الاحتلال منه"، ما يعني أن المتسبب في هذا الدمار هو الكيان المحتل لا "حماس".
وبالعودة إلى الحساب، وجدنا أنه تم إنشائه في سبتمبر 2018، خلال تلك المدة نشر 14.4 ألف تغريدة، ولديه 218.3 ألف متابع ويقوم بمتابعة 550 آخرين.
رُضّع إسرائيليين في أقفاص
"حماس تضع أطفال إسرائيليين رضع في أقفاص الحيوانات"، تلك التغريدة نقلتنا إلى الحالة الرابعة التي رصدناها، في 8 أكتوبر 2023، أي اليوم الثاني لعملية "طوفان الأقصى"
وبالبحث عن مصدر الصورة، اتضح أن ناشرها حساب على منصة (إكس) يحمل اسم هدى جنات، وألحقتها بتعليق: "من يدعم حماس لا يمكن إلا أن يكون حيوان مثلهم"، في إشارة منها إلى أن تُظهر قوات المقاومة الفلسطينية بمظهر الإرهابيين، الذين لا يفرقون بين كبير أو صغير، إنما هدفهم تدمير الشعب الإسرائيلي عن بكرة أبيه، بحسب زعمها.
وباستخدام أداة التحقق من الصور (Google Lens)، وجدنا أن الصورة مبتورة من فيديو منشور على منصة "تيك توك"، في 8 أكتوبر 2023، ويوضح صاحب الفيديو ماهية هذا المقطع، فقال: "السلام عليكم، رسالتي إلى أصحاب التعليقات رجاءً هؤلاء الأطفال أقربائي مش أطفال صهاينة، والمقطع كان قبل العملية الأخيرة بثلاثة أيام ولا علاقة له بالأحداث الأخيرة".
"الأونروا" تساعد الإرهابيين
وفي 31 يناير الماضي، نُشر تغريدة أخرى، وكتب تعليقًا عليها: "موظف الأونروا يضع زي مسعف ينقل السلاح للإرهابيين"، والتي نقلتها عن صفحة إسرائيل بالعربية، مدعيين أن المسعف ينقل السلاح إلى عنصر من حركة حماس بلباس مدني، وذلك خلال الحرب الجارية.
وباستخدام أداة التحقق من الصور (Google Lens) وجدنا أن الفيديو نُشر لأول مرة في 29 نوفمبر الماضي، خلال اشتباكات بين عناصر المقاومة وقوات الاحتلال الإسرائيلي في "جنين" في الضفة الغربية حينها.
هروب "عزايزة" وزوجته إلى قطر
وفي نفس اليوم، نشر تغريدة أخرى عن معتز عزايزة، الصحفي الفلسطيني، وكان تعليقها عليها: "معتز عزايزة وزوجته في قطر بعد أن هرب من غزة"، وبالرجوع إلى الحساب الذي نشر الصورة كان لفتاة تدعى "غيوة"، وهي إحدى الشابات التي طلبت من "عزايزة" التقاط صورة معها، وذلك في 30 يناير الماضي.
وأوضح "عزايزة"، في تصريحات صحفية، أن الصورة ليست لزوجته، وأنه لم يهرب من "غزة"، إنما تمت دعوته من قبل مكتب الشيخة موزة، لحضور مباراة بين المنتخب الفلسطيني والمنتخب القطري في قطر، رفقة عدد من الأطفال الجرحى من غزة.
وبالعودة إلى الحساب، وجدنا أنه تم إنشائه في أكتوبر 2020، خلال تلك المدة نشر 20.2 ألف تغريدة، ولديه 47.7 ألف متابع ويقوم بمتابعة 3349 آخرين، ووفقًا لموقع تتبع نشاط حسابات مواقع التواصل الاجتماعي "سوشيال بلاد"، ارتفع معدل التدوين على هذا الحساب بمعدل 90٪ منذ بداية عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي.
خبير رقمي: البُعد النفسي كلمة السر في انتشار الفبركات
ورغم حداثة بعض تلك الحسابات، إلا أن معدل انتشار شائعاتها كالنار في الهشيم، وهذا ما أوضحه لنا الدكتور عمرو العراقي، عضو هيئة تدريس منهج البيانات لوسائل الإعلام بالجامعة الأمريكية، أن عملية انتشار الصور والمحتوى الرقمي على وسائل التواصل الاجتماعي لا تعتمد بشكل كامل على التقنيات الحديثة فحسب، بل تشمل أيضًا تفاعلات المستخدمين وتأثيراتهم.
وأوضح "العراقي"، أن جزءً من ظاهرة الانتشار يرتبط بأساليب إدارة المحتوى من قبل منصات التواصل الاجتماعي، التي قد تميل إلى تفضيل بعض الجوانب على حساب أخرى، مما يخلق نوعًا من الانحياز في الظهور والتوزيع، لكنه غير مقيد إحصائيًا بشكل دقيق، مشيرًا إلى البعد النفسي لانتشار الصور وكيف يتفاعل مع نفسية المستخدمين.
ولفت إلى أن التطور التكنولوجي يمكن القوى السياسية والاجتماعية من استخدام هذه الأداة بكفاءة لإعادة نشر المحتوى والتأثير على الرأي العام، لذا يجب التحقق من مصداقية الحسابات والمحتوى المنشور قبل التفاعل معه أو نشره، مشيرًا إلى أهمية وضع المحتوى في سياقه الصحيح والنظر إلى القضايا من منظور شامل لفهمها بعمق.
تابعونا عبر "whatsapp" و "linkedin" و "Facebook"
- القصة نتاج تدريب "مواجهة تضليل المعلومات في زمن الحروب"، بشراكة بين منصة أكد نيوز "العراق"، مؤسسة قرار للإعلام والتنمية "اليمن"، نشرة رادار نيوزليتر "مصر".