ثمن الحقيقة.. استهداف معدات الصحافيين في غزة يهدد بوقف التغطية
عبود ورفاقه.. جيل من الأطفال يوثق الإبادة عبر السوشيال ميديا
تحقيق: سحر عزازي
فقد محمود بسام، مصور صحفي، ميكرفونه اللاسلكي أثناء الحرب، ولم يجد له بديلًا بعد قصف المحلات والمعارض التجارية في قطاع غزة، وأصبح يستعين ببعض أدوات زملائه، لتغطية العدوان الذي شنه الإسرائيليين على بلاده بعد أحداث السابع من أكتوبر الماضي (تشرين الأول): «معنديش كاميرا ولا معدات، بصور على جوالي»، معاناة شديدة أصابت محمود وزملائه من صحفيين غزة، الذين فقدوا الكثير من معداتهم وأدواتهم اللازمة في نقل ما يجرى من أحداث على أرض الواقع، والتي لا تقل أهمية عن نقص الغذاء والأدوية وغيرها من مستلزمات ضرورية للحياة.
أكثر من 122 يومًا كانت كفيلة أن تخرب أيضًا معدات ياسر قديح، صحفي، بسبب الأمطار تارة والسقف تارة أخرى: «لما انقصف بيتي فقدت كاميرا وعدسة وأثناء التغطية فقدت عدسة أخرى»، فضلًا عن تضرر السيارات الخاصة لعدد من الصحفيين بسبب الحرب والتنقل بشكل مستمر من مكان لآخر: «بنروح أماكن خطيرة الضرب فيها بيكون قريب منا وممكن تفلت كاميراتنا أو العدسات وإحنا بنجري».
يخلو قطاع غزة من المعدات والأدوات اللازمة للصحفيين، والتي كانت تصل إليهم بصعوبة قبل الحرب عن طريق وكلاء أو بعض المحلات الصغيرة، أو عن طريق التهريب أو دخولها مع أحد الأفراد القادمين من الخارج: «بكل أسف كل المحلات تم قصفها وأصبحنا محاصرون والحصول على معدات صحفية صعب جدًا».
العدوان يقصف أدوات الصحافيين
نفس المعاناة عاشها «محمود» أيضًا حين بدأ يبحث عن ميكرفون لاسلكي لتسجيل اللقاءات الصحفية، فلم يجد مكانًا واحدًا يوفر له بديل مناسب، فضلًا عن طرح بعض الأدوات في السوق السوداء بأسعار خيالية، فتواصل مع صديق له كان عالقًا في مصر منذ اندلاع الحرب، وطلب منه شراء ميكرفون أصلى على وجه السرعة لاستئناف عمله الذي تعطل بدونه، لكن صاحبه لم يتمكن من شرائه بسبب عدم توافر المبلغ معه: «بستلف من زمايلي هعمل ايه؟ أنا حتى معنديش كاميرا أصور بيها ولا درع ولا خوذة من بداية الحرب».
تؤثر نقص المعدات على تغطية الحرب التي لا تزال مستمرة، ويفقد الصحفيين في الميدان يوميًا العديد من أدواتهم: «حتى الأشياء البسيطة عجزنا عن توفيرها مثل الوصلات الأصلية للشواحن وباوربانك، كلها بسيطة لكن مهمة جدًا». بحسب محمود.
معدات الصحافيين في السوق السوداء
يعود «ياسر» للحديث مرة أخرى كي يخبرنا بأن الكاميرا المستعملة وصل سعرها في السوق السوداء إلى ألفين دولار، والعدسة التقليدية تبدأ من ألف دولار: «وطبعًا فقدنا كتير من كروت الميموري والباوربانك والشواحن والبطاريات خربوا بسبب سوء الكهرباء والبدائل مثل الطاقة الشمسية ضعيفة جدًا».
يحكي أنه من الصعب ايضًا الحصول على تأمين أو مأكل ومسكن: «كلنا عايشين في خيام، هي مكاتبنا وأماكن نومنا وبينزل علينا المطر يخرب كل معداتنا»، فضلًا عن أن جهازه الحاسوب «اللاب توب» سقط عليه كوب شاي وقت حدوث القصف وتعطل بالكامل: «بمش حالي بمعدات ناس أصدقائي وكان عندي كاميرا قديمة رجعت اشتغل عليها تاني رغم إنها مش مناسبة.
يعمل «ياسر» صحافيًا بنظام القطعة «فريلانسر» في وكالة أنباء صينية منذ 12 عامًا، مشيرًا إلى تدمير عدد كبير من المؤسسات الصحافية والمكاتب الإعلامية أثناء الحرب: «معداتي هي رأس مالي الوحيد ومعندناش سوق رسمي لبيعها كلها تهريب من الخارج أو عن طريق المسافرين»، مؤكدًا أن النقابة عاجزة عن توفير المعدات الناقصة للصحفيين وتوفر فقط وجبات وخيام.
الشباب يساندون في نقل الحقيقة
فقد زياد مقيد، مصور بقناة الأقصى، جهازه الحاسوب ودرع الصحافة وجهاز زووم لتسجيل الصوت أثناء قصف منزله: «خسارتي الأكبر كانت فقدان زوجتي و3 من أولادي ومفضلش غير ابني الكبير محمد»، ابنه الذى نجا من الموت بأعجوبة ليسجل فيديوهات توثيق مجازر العدو، إذ يلتقط الخراب والدمار من حوله بعدسة هاتفه، مُعلقًا على الأحداث بصوت واثق ومُعبر، مؤديًا دور المراسل الصحفي ببراعة: «نفسه من صغره يطلع صحفي وكنت بحاول كتير ابعده عن مهنتي لأنها صعبة وخطيرة لكن مقدرتش وأثناء الحرب لاقيته بيبدأ يسجل ويحكي اللي بيحصل فينا» بحسب زياد.
يقول ابن الـ 14 عامًا بحماس جدًا: «بحب أقدم محتوى ونفسي أكون مراسل صحفي متل عمو وائل الدحدوح وأوصل رسالتي لجميع العالم ليشاهد معاناتنا في قطاع غزة» تتلخص أحلام الفتى الصغير في تلك الكلمات، معبرًا عن حزنه بفقدان والدته وأشقائه وتركه وحيدًا بعيد عن والده الذي لا يغادر الميدان لتغطية الأحداث: «قاعد مع سيدي ونفسي الحرب تنتهي ونرجع لبيوتنا وحياتنا».
يرى الصبي معاناة والده التي بدأت تتزايد بعد رحيل أفراد الأسرة، فشعر بالمسؤولية اتجاه وطنه وبدأ يوثق ما يجرى حوله عبر مقاطع فيديو، لكنه اضطر لحذفها وعدم مشاركتها بعد سماع تهديدات من العدو تستهدف الصحفيين وأسرهم وبخاصة أبنائهم: «الاحتلال الصهيوني بيهددنا، لكن هنفضل محتفظين بصور كل الخراب اللي سببوه لينا».
يضطر والده لاستخدام هاتفه في المونتاج بعد أن تعطل جهازه الحاسوب وبيع المستعمل منه بأكثر من 1800 دولار: «بأقوم بمونتاج التقارير على جوالي لأن منافذ البيع كلها اتقصفت وحتى مفيش مكاتب بنشتغل في الشوارع».
لم يكن «محمد» بمفرده الذي يشعر بالمسؤولية اتجاه وطنه، بل هناك جيل من الأطفال والشباب، ظهر عقب تصاعد العدوان، كي ينقلون الأحداث ويوثقون مشاهد القتل والتدمير والإبادة عبر مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الشاب عبود بطاح، والطفلة لمى وبيسان وغيرهم، ليساندون الصحفيون في نقل الحقيقة وكشف جرائم العدو.
قوات الاحتلال تعرقل وصول المساعدات للصحافيين
يعلق منتصر حمدان، رئيس لجنة السلامة المهنية بنقابة الصحفيين الفلسطينيين، على أزمة نقص معدات سلامة الصحافيين، قائلًا: «هي أزمة مستفحلة بالنسبة للصحافيين الفلسطينيين والسبب الرئيسي في ذلك هو أن الاحتلال يتعامل مع معدات السلامة بأنها بمثابة معدات عسكرية، الأمر الذي حرم آلاف الصحافيين من إمكانية الحصول عليها بسبب فرض شروط أمنية وعسكرية على إدخال مثل هذا النوع من المعدات، وبالتالي فإن الأزمة الحالية هي نتاج إجراءات احتلالية فرضتها دولة الاحتلال الإسرائيلي لتقييد إدخال مثل هذه المعدات للأراضي الفلسطينية سواء في غزة أو الضفة الغربية».
ويضيف، رغم كافة الإجراءات الاحتلالية والقيود إلا أن عدد من المؤسسات الإعلامية تمكنت من إدخال أعداد من هذه المعدات مثل الدرع والخوذ من خلال مؤسسات إعلامية اجنبية كانت تعمل في فلسطين إلا أن هذه الأعداد لا تغطي الاحتياج الكبير، فيمكن الحديث عن توفر ٣٠٠ إلى ٤٠٠ من هذه المعدات في الضفة وغزة في حين أن عدد الصحافيين الفلسطينيين يصل إلى قرابة ٤٠٠٠ صحفي وصحفية في فلسطين ما يظهر حالة النقص الشديد في مثل هذه المعدات المهمة والحيوية لضمان سلامة الصحافيين في المواجهات العادية مثل المظاهرات والاحتجاجات والنزاعات والصراعات المسلحة بالأسلحة الخفيفة.
ويشير إلى أن طبيعة الحرب التي تقوم على أساس الإبادة الجماعية وطبيعة الأسلحة المستخدمة مثل القصف الجوي والمدفعي والأعمال العسكرية التي تنفذها دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وحق الصحافيين وخاصة في غزة ضاعفت حجم المخاطر والتهديدات التي يواجهها الصحافيين الذين بدأوا يفقدون الأمل في إنقاذ حياتهم وضمان سلامتهم خاصة أننا أمام معلومات تفيد بقتل ١٢٢ صحفي وصحفية وعاملون في مؤسسات إعلامية من قبل قوات الاحتلال في هذه الحرب الاجرامية لغاية الآن.
وأوضح، أن دولة الاحتلال استهدفت الصحافيين من خلال سياسة ممنهجة ومتدحرجة والآن نحن في ذروة هذه السياسة والتي حذرنا منها منذ سنوات حينما بدأنا نشعر بوجود قرارات عليا من دولة الاحتلال تجيز قتل واستهداف الصحافيين وملاحقتهم في محاولة منها لإسكاتهم ومنعهم من العمل من خلال قتلهم في الميدان وتدمير مؤسساتهم وقصف منازلهم وتهجيرهم مع عائلاتهم وقطع الاتصال والتواصل معهم عبر استهداف شبكات الانترنت وتدمير شبكات الكهرباء وسط نقص شديد في معدات العمل مثل الكاميرات والشواحن وعدم توفر إمكانية الاتصال والتواصل في ظروف كارثية وجد الصحافيون أنفسهم فيها فالان يوجد لدينا زملاء وزميلات يعيشون في الخيام ومنهم من يفترش الأرض بجانب بعض المؤسسات العامة وعلى الطرقات وسط نقص شديد في مياه الشرب والطعام والدواء.
ولفت إلى أن دولة الاحتلال خلقت بيئة مأساوية لا يمكن للصحافيين قدرة على أداء مهامهم ورسالتهم الاعلامية، إلا أن الصحافيين الفلسطينيين في غزة يواصلون أداء مهامهم في تغطية الاحداث وتوثيق جرائم الاحتلال بأقل الامكانيات كونهم يدركون بأن الاحتلال يرمي من سياسة استهداف الصحافة هو اغتيال شهود الحقيقة وإسكات صوتهم ومنعهم من كشف حقائق الجرائم الوحشية وحرب الإبادة الجماعية بحق المدنيين من النساء والأطفال وكبار السن.
مطالبًا بإطلاق حملات إغاثة ومساندة للصحافيين في غزة وضمان استمرار عملهم والحد من تأثيرات الحرب عليهم، ومواصلة الجهود لمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، مشيرًا إلى أن الاستهداف المبرمج والمخطط له من قبل أجهزة الاحتلال الإسرائيلي اتخذ مستويات عدة في ملاحقة واستهداف الصحافيين العاملين في قطاع غزة وخلق بيئة عمل خطيرة جدا، التي كان من أبرزها: القتل العمد من خلال القصف الجوي للصحافيين او إطلاق النار عليهم من الأسلحة الرشاشة او من خلال القنص، وقصف المؤسسات الإعلامية وتدميرها، وأيضًا منازل الصحافيين واستهداف عائلاتهم وغيرها محاولات إسكات الصحافيين الذين لا يزالوا متواجدين في الميدان حتى النفس الأخير لنقل الحقيقة والقيام بدورهم البطولي على أكمل وجه.
تابعونا عبر "whatsapp" و "linkedin" و "Facebook"
- القصة نتاج تدريب "مواجهة تضليل المعلومات في زمن الحروب"، بشراكة بين منصة أكد نيوز "العراق"، مؤسسة قرار للإعلام والتنمية "اليمن"، نشرة رادار نيوزليتر "مصر".